ألغاز مخبأة في سيناء
عدلي صادق
الأحد 07 تموز (يوليو) 2013
لن يخطىء سوى السذج، في قراءة ما وراء الخبر المتعلق بالعنف الإرهابي، في صحراء سيناء، ثم الثبات على يقين، بأن العامل الاستخباري الإسرائيلي، هو المحرك الأول للأحداث التي تتخذ لنفسها لبوساً تتعدد ألوانها، منها "الجهادي" ومنها "السياسي" المؤيد لحكم "الإخوان" ومنها المتشبه بـ "حماس"، علماً بأن مقترفي الجرائم النكراء، ليسوا "جهاديين" ولم يخرجوا من عباءة الأيديولوجيا الجهادية السلفية، أو من عباءة الحلقات المسلحة التي تعتقد بها في بلدان أخرى. كذلك هم ليسوا أصحاب موقف سياسي، كأولئك الرافضين لإسقاط مرسي، ولا هم ـ بالطبع ـ على صلة بحركة "حماس" وهذا ما يصرّ عليه كاتب هذه السطور، مستنداً الى قراءة متأنية للوضع في سيناء التي يعرفها شخصياً، من حيث البيئة الاجتماعية والمزاج العام ومنحى العشائر، مثلما يعرف أن العدو الداهية، لا يمكن أن يغيب عن ساحتها، ولن يخفف من حضوره، ومن زخم عملياته الاستخبارية!
كل الوطنيين الفلسطينيين، مدعوون لأن يحاذروا لكي لا يدفعهم الموقف من "حماس" الى تأييد المزاعم التي تتهم هذه الحركة بجرائم ضد الإخوة المصريين. فالمحتلون الصهاينة، يريدون إيصال سيناء الى حال اللا تشكل الأمني، ويساعدون بأساليبهم الجهنمية، على تعزيز قوة العناصر التي تطيح بالاستقرار الأمني. وفي هذا الصدد، لا نقول إن جميع هذه العناصر، مضروبة وعميلة، وإنما هي مسيّرة بواسطة قوادي جوسَسَة، يعملون في خدمة "الخواجا" لأن لدى شُبان سيناء الذين غرر بهم أدعياء "الجهاد"؛ كل العناصر التي تساعد على توظيفهم لهذه المهمة القذرة: هشاشة الانتماء للوطنية المصرية، وضآلة الثقافة والمعرفة بشرع الله. مخزون من الذاكرة المريرة، بسبب التهميش والحرمان من التنمية ومن تطوير حياتهم. القبضة الأمنية في سنوات سابقة، باعتبارها كانت وسيلة للحيلولة دون تحول العوامل الموضوعية السالفة الذكر، الى ردود أفعال سياسية وأمنية، تقلق مركز الحكم في مصر في أيام مبارك. فقد تأسست بمفاعيل تلك القبضة، أوهام المظلومية العميقة!
المحتلون استغلوا هذا كله، لكي تجري الأمور في اتجاه فقدان المنطقة لحال التشكل الأمني والسياسي الراسخ، واستخدموا لتحقيق هذه الغاية مقاولين عملاء، يتمحكون بالدين، أو بالغيرة "الوطنية" على أرض سيناء؛ ليصطادوا عدة عصافير بحجر واحد: اضطرار مصر الى الدخول معهم في شراكة أمنية، تجعل سيناء أكثر أماناً بالنسبة لهم من تدابير البروتوكول العسكري لاتفاقية "كامب ديفيد". ولا يخفى على عارف بأوضاع سيناء، أن المحتلين بعد انسحابهم من شبه الجزيرة، تركوا شرائح من العملاء ورموزاً عشائرية، لطالما سُمعت أصواتها، كلما طرأ التباس أو شجار، مع عناصر فلسطينية في سيناء. كانت تلك الرموز، تختلق خطراً فلسطينياً، وتنفث سمومها تحت عناوين الحرص على الملكية العقارية للأراضي، وعلى الوئام الاجتماعي لأهالي سيناء!
ومن بين العصافير التي يريد المحتلون اصطيادها، تأليب المصريين جميعاً على الفلسطينيين جميعاً، باختلاق دور أمني هدام لـ "حماس" في سيناء. فإن ترسخت القناعة بأن "حماس" استهدفت الأمن المصري؛ عندئذٍ ستُصاب ـ ابتداءً ـ فكرة النضال الوطني الفلسطيني كله في مقتل، ثم تتسع الفجوة النفسية بين المصريين والفلسطينيين.
لدينا الثقة، بأن الأجهزة الأمنية المصرية (لا الأجهزة الإعلامية، وبعضها يأخذه عداؤه لجماعة "الإخوان" الى الزج باسم "حماس" في مطولات الهجوم على "الجماعة" في مصر). فالأجهزة المصرية، قادرة على فك الألغاز المخبأة في سيناء، وقادرة على أن تصل الى اليقين الذي لا كلام بعده، وهو أن "حماس" لم ولا ولن تقتل جنوداً مصريين، لا في رمضان ولا في شعبان ولا في سائر الشهور، لأن لا شيء ضائعاً لها عند هؤلاء الإخوة، ولأن الفلسطينين عموماً، يعرفون طبيعة الجيش المصري، ويدركون أن المجند والضابط، يؤخذ الى أي موقع، وفق عقيدة عسكرية غايتها حماية الوطن وتأمين سلامته، وحماية استقرار المجتمع.
المعلق السياسي الإسرائيلي إليكس فيشمان، كتب يوم الجمعة (5/7/2013) ما يؤيد هذا الرأي حين قال فيما يشبه الإفصاح عن مقاصد المحتلين: "إن عودة الجيش المصري الى صورة الحكم في مصر لن تجعل علاقات اسرائيل بمصر أكثر سخونة علنا، لكن من المنطق ان نفترض ان يرتفع مستوى التحادث والتعاون من وراء الستار، بسبب المصلحة المشتركة في الحفاظ على سيناء هادئة. وكان يمكن ان نرى التباشير الاولى على ذلك قبل أسبوع، حينما ضرب الجيش المصري حصارا وثيقا على غزة ووضع كتيبة دبابات بالقرب من حدود القطاع بموافقة اسرائيل. وتم وقف إمداد القطاع بالوقود ومواد البناء من مصر، وتوجه تجار غزيون الى اسرائيل طالبين الحصول على محروقات حتى بأسعارنا المرتفعة جدا"!
الكلام واضح. هم يريدون خلق حال اللا تشكل السياسي والأمني، لكي يشاركوا في صياغة التدابير الإجرائية للأمن في سيناء. ويريدون أن تظل سيناء منطقة مساعدة على عزل غزة وحصارها، ويريدون فتح السوق الغزي للبضائع الإسرائيلية دون سواها. ولم يكن إليكس فيشمان معنياً بالإفصاح عن المقاصد الأخرى، وهي شيطنة العنصر الفلسطيني في الوعي الجمعي المصري، من خلال شيطنة "حماس" ابتداءً. ولكون الأمور لا تقف عند حدود هذا الابتداء، فإننا نرفض السياق كله، دفاعاً عن أنفسنا جميعاً، وحينما نخاصم "حماس" فلا ينبغي أن نخاصمها بافتراءات، لذا نُصرُّ على تأكيد الأمر البديهي: إن الفلسطيني لا يقتل جنوداً مصريين، ولا يهدد أمن الأشقاء المصريين ونقطة على السطر!

تعليقات
إرسال تعليق