الرمز الشاغر والأبوية العُليا ... عدلي صادق




الإثنين 15 تموز (يوليو) 2012

ليست المسألة مسألة صندوق، لكي يتأسى المتضررون كلما شُطبت مُخرجاته، فتُستعاد فاتحة التميثيلية الإذاعية الكوميدية في الستينيات: سرقوا الصندوق يا "أبو لمعة"، فيرد "أبو لمعة" بصوت الفنان المصري فؤاد راتب الخواجا المعروف بـ "الخواجا بيجو": لكن مفتاحة معايا!
فلو كان ثمة واحد على الأكثر، ليس له ثانٍ، في الصف القيادي من "الإخوان" يفهم في الاجتماع السياسي؛ لأدرك أن مصر، وطبقتيها الشعبيتين المتوسطة والمُعدمة، قد طال شوقهما الى رمز خلاصي، يمثل الكُلية الاجتماعية، ويرتفع بالمصريين الى ما فوق التناقضات، ويمثل حال امتلاء القمة، برجل ذي ظلال دينية، يتفهم تركيبة البنية الأسطورية وطبقات الوعي الشعبي المحاصر بالآلام ومفاعيل الإقصاء والظلم الاجتماعي. فلم تكن جماعة "الإخوان" ممثلة في الصف الأول، قادرة بفئويتها وبطبيعتها وبثقافتها، حتى حيال فصائل إسلامية أخرى؛ قادرة على الدفع بانتاج هكذا رمز، حتى لو كان د. محمد مرسي قادراً على ملء الدور، وأن يتقدم مسيرة التحرر الاقتصادي والاجتماعي، فإن جماعة "الإخوان" لن تتيح له أن يفعل ذلك. فموقع الرمز ما زال شاغراً في مصر وبلدان الشرق التي تطلعت الى مقاربات للحياة الديموقراطية الليبرالية على النمط الغربي. ولا مجال لأن يصبح الشرق غرباً، لأن للشرق، ولمصر على نحو خاص؛ نزعة فطرية الى إعادة انتاج الرموز الأسطورية والتاريخية والفلكلورية، بالمعنى التكويني. والمصريون يتطلعون بحكم موروثهم الثقافي والوطني، ذي الإشعاع الديني والسياسي وأنساق القيم، الى إحياء الطموحات الدفينة في الطبقات الشعبية، والوصول الى حلول مجزية للمشكلة الاجتماعية الإقتصادية!
فرضيّة الحكم الإخواني، استثارت مكونات الشعب المصري، ولم يروا فيها ما يخدم الوحدة الوطنية ويرسخ الكلية النسبية في التمثيل السياسي للطبقات الشعبية.
وعلى النقيض من مفردات الخطاب التعبوي الإخواني، فإن نظرة سريعة على التاريخ وعلى الراهن السياسي؛ تدلنا على أمر لافت، وهو أن الغرب، ممثلاً في الولايات المتحدة، لم يحزن على رحيل الملك فاروق، ولا على رحيل مبارك، بسبب افتقار الأول، على نحو خطير يتهدد مستقبل الاستقرار، للحد الأدنى من مقومات الزعامة، بسبب أن تجربته وشخصيته وسلوكه، كانت كلها منفّرة، بينما هم يتطلعون الى زعامة ذات رصيد شعبي، يؤسسون معها علاقة وطيدة. أما الثاني (مبارك) فقد امتلأت دائرته الضيقة، وحيثما كان ابنه حاضراً يلعب دوراً هداماً؛ بكل العناصر المؤدية الى الانفجار الاجتماعي، ما جعل الأمريكيين يتطلعون الى "حليف" أقوى شعبياً وأكثر تمثيلاً للمجتمع. فعندما كان نظام فاروق ملك مصر يترنح، قبل ثورة 1952 ثم في أيامها الثلاثة الأولى، أظهر الأمريكيون جفاء حيال الملك على ما جاء في الوثائق، ونُقل عن السفير البريطاني في واشنطن، الذي حاول جعل الأمريكيين يتدخلون، جواباً قاطعاً بأن شخصية الملك لا تلقى قبولاً في الولايات المتحدة. كان فاروق يستجدي السفير الأمريكي آنذاك جيفرسون كافري، ويطلب سفينة أمريكية تحمله هو وأسرته، ورفض الأمريكيون. لكن الموقف كان مغايراً عندما حدثت أزمة 1954 بين الرئيس محمد نجيب والضباط الأحرار، لأن "الإخوان" تحالفوا مع نجيب، فسانده الأمريكيون الذين رأوا في الجماعة "صديقاً" حاضراً بقوة في المجتمع!
لقد رحب الغرب برحيل فاروق ومبارك، وابتهجوا لرحيل عبد الناصر، وآلمهم رحيل السادات، وحزنوا لإنهاء دور محمد نجيب كواجهة لثورة الضباط التي التف حولها الشعب. لكن حسابات المصريين، كجزء من الشرق، وذات إرث حضاري وسياسي خاص واستثنائي، ظلت تتطلع الى تمثيل للكلية الشعبية دونما إقصاء أو فئوية، بحيث يمتلىء الرمز الشاغر، ويلعب دور الأبوية العليا للجميع، وستكون الديموقراطية أيقونتها في العالم الجديد!
adlishaban@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عباس : المفاوضات تركز على الامن والحدود وتنتهي وفق سقف زمني محدد

تخلص من سموم الجسم وقم بتنقية الجهاز الهضمي والكبد بشرب هذه الوصفة الطبيعية

تعريف اللجنة المركزية و المجلس الثوري في حركة فتح Palestinian National Liberation Movement Fateh